لقد أصيب المسلمون عبر تاريخهم الطويل بنكبات كثيرة، وأزمات متعددة كانوا يفقدون فيها جزءاً من أرضهم، أو أموالهم، أو يخسرون أمنهم وطمأنينتهم، أو حتى كثيراً من أرواحهم، لكن أيّاً من تلك النكبات لم تكن بقساوة ومرارة النكبة التي أصيب بها المسلمون في مطلع القرن العشرين وإلى يومنا هذا.

\nذلك أن الهزيمة هذه المرة، لم يقتصر على خسارة الديار والأموال، بل تجاوزت ذلك، فوصلت إلى أعماق القلوب، وأضعفت ثقة كثير من المسلمين بدينهم، وأفقدتهم جزءاً مهماً من عقيدتهم وتصورهم، حتى ظن البعض أنه لا يمكن للإنسان أن يكون مسلماً ملتزماً بأحكام الشرع كلها في خضم الحياة المعاصرة، فأما أن يعيش في عزلة تامة عن الحياة والمجتمع، وإما أن يتجاوز أحكام الشرع ويرتكب الحرام، ونسي هؤلاء أن منزل هذا الدين أراده أن يكون ديناً خالداً إلى قيام الساعة، يوائم مختلف الظروف، وكافة الأمكنة والأزمان. \n \nأضف إلى ذلك أنه رغم نشر العلم وانتشاره، ورغم مئات العناوين التي تطالعنا بها دور النشر في الوقت الراهن، إلا أننا نلاحظ قلة من يعنى بتأصيل الأحكام الشرعية التي يصدرها للمشكلات المعاصرة، عن طريق إرجاعها إلى قواعدها الفقهية والأصولية، والتي بها تنضبط الفتاوى والأحكام. \n \nمن هذا المنطلق ومما سبق وجب الاهتمام بإعادة ثقة المسلمين بدينهم، ووضع الحلول الشرعية المناسبة لكل ما جدّ ويجدّ من أحوال الناس، ويجتهدوا في استنباط الأحكام الشرعية للتصرفات والأعمال التي اقتضتها طبيعة الحياة المعاصرة وإسهاماً في هذا المجال عمد المؤلف إلى وضع هذه الدراسة للقاعدة الشرعية "المشقة تجلب التيسير" بضوابطها وتطبيقاتها. \n \nوقد تضمنت خطة الدراسة وبعد المقدمة تمهيداً وعشرة فصول وخاتمة. \nالتمهيد: ويتضمن لمحة حول خصائص الشريعة الإسلامية، لا سيما خاصية اليسر ورفع الحرج. \nوأما الفصول العشرة، فقد دارت حول المحاول التالية، وعلى التوالي: \n1- القواعد الفقهية، نشأتها، أهميتها، أهم الكتب المؤلفة فيها. \n2- أدلة ثبوت القاعدة من القرآن والسنة، وعمل السلف، والإجماع والمعقول. \n3- معنى القاعدة، وأنواع المشقة، وضوابطها. \n4- أسباب التخفيف، علاقة بعض الأدلة الشرعية كالقياس والاستحسان، والمصالح المرسلة، وسد الذرائع، والعرف، والضرورة، والحاجة بقاعدة "المشقة تجلب التيسير". \n5- التخفيف وأقسامه. \n6- أحكام المشقة. \n7- القواعد الفقهية المتفرعة عن قاعدة: "المشقة تجلب التيسير". \n8- أثر القاعدة في الأحكام الشرعية، وقد اقتصرها على مسألة التيسير اللاحق بالعبادات دون المعاملات حيث لا يتسع البحث. \n9- قضايا معاصرة في ميزان القاعدة، وهذا عبارة عن تطبيق للقاعدة وضوابطها على بعض القضايا. \n10- وأخيراً اختتم الكاتب دراسته بخاتمة ضمنت أهم النتائج التي أمكنه التوصل إليها من خلال دراسته هذه..