كان الموعد مع القدر في عام 1389هـ – 1970م عندما جرت مقادير الأمور وصروف الزمن أن يكون هذا التاريخ المنعطف الكبير في سيرة حياة الأستاذ رضوان إبراهيم دعبول حيث انتقل من عالم التدريس إلى عالم النشر. فمن أستاذ لمادة الرياضيات في مدينة الرياض إلى ناشر في بيروت. كانت نقلة نوعية في جميع جوانبها ولو أن التدريس لا يخرج عن إطار التربية والتوجيه وكذلك النشر مع فارق الجمهور.

هكذا كانت البداية؛ مجموعة من الصحب والأساتذة الكبار دفعت بالأستاذ رضوان دعبول أن يباشر بنشر أعمالهم وكانت إرادة الله وإذنه وتوسعت الدائرة لتشمل كبار مفكري العالم العربي والإسلامي.
كانت البداية ترتكز على المادة الفكرية وتوجيه الأمة وتنويرها وتوعيتها في خضم تيارات دخيلة على هويتنا تحاول العبث وانتهاز الفراغ. فقد كانت الأمة في تلك الأيام تعيش حالة الانعدام بعد غروب شمس الخلافة الإسلامية، تعيش حياة التقسيم إلى أوطان، والأديان إلى مذاهب وطوائف، والقبيلة إلى عشائر وأفخاذ، والغلو المادي والحزبية العمياء ذو المنظور الضيق وضاعت هوية الأمة بين شرق وغرب، وانحياز وعدم انحياز، ونسيت أنها أمةٌ واحدة حدودها متسعة لتضرب في عمق الصين شرقاً وتمخر عباب بحر الظلمات غرباً.

منذ اليوم الأول الذي أنشأنا فيه ” مؤسسة الرسالة ” ، كان واضحا ً لدينا أننا ننتمي إلى أمة عريقة تضرب عميقا ً في جذور التاريخ …. أمة قد يعتريها ضعف، أو تغشاها غشاوة، أو تزلّ بها قدم …. ولكن عوامل البقاء فيها أقوى من الفناء … ومناعتها الحضارية أبقى من كل داء … 

ومن عوامل بقائها هذا التراث الخالد … الذي خلفه لنا اِلأجداد، تراث حي متطوّر يأبى على النسيان، صارع الزمن والمحن حتى وصل إلينا بهيّا ً نقيا ً، حيّا ً متجددا ً، نقدمه للأمة بما يليق به محققا ً تحقيقا ً علميا ً، كي تعرف الأمة أمر دينها الذي هو قوام حياتها، وتاريخها الذي هو ذاكرتها، ولتكون خطواتها نحو المستقبل خطوات واثقة، لا ينال من إرادتها كيد ٌ ولا يحرفها عن طريقها جهل. 
وما التراث إلا الأساس المكين الذي تقوم عليه الدراسات المعاصرة التي تحاور الأجيال الجديدة بعقل ٍ منفتح … تبصّرها بمواقع العثار كي تجنبها، وتدلها على الطريق كي تتأكد خطاها… 
ومن ثم ألينا على أنفسنا أن ننشر كل ما يجدّ من حوارات أو أفكار تخدم حياتنا المعاصرة … أو إبداعات تزيد في غناها… 
لم يستثن من اهتماماتنا طفلاً- وهو أمل المستقبل – أو امرأة … وهي صانعة الأجيال ومربيتها أو معلمتها، ولم نرهن أنفسنا أحداث قطر دون قطر … بل إن اهتماماتنا تعدت الهموم الصغيرة إلى الهموم الكبيرة، وشملت الأمة العربية الإسلامية على امتدادها الجغرافي الواسع. 

وهذا الموقع الذي بين يديك أخي الزائر هو صدى تدلك على معالم الطريق الذي قطعناه في واحد وأربعون عاماً … وعلى ما ينتظرنا في المستقبل أن نقوم به … ليس فيه إدلال بما قمنا به بل هو مجرد كلمة (غاية في كلمة)، كلمة وفاء نقولها ونحن سائرون، تحدونا آمالك الكبيرة بنا … وغايتنا من وراءه التناصح فيما بيننا على خير هذه الأمة … والله هو الهادي إلى سواء السبيل .. 
هذه هي الرسالة التي نحمل … وهذا هو النهج الذي نسير عليه … 
وهي الأمانة في أعناقنا نؤديها … جيلا ً بعد جيل … وسنكون على العهد … والله المستعان.


مروان رضوان دعبول