تناول من ألسنة شيوخه وكتبهم مواداً أنضجها فكره الفذ، وأخرجها لآلئ منظومة تبرق على جيد الزمان لقد وضع الجرجاني كتابه هذا ليبرهن على نظرية (النظم) قائلاً بجرأة وتحدًّ: ما من سبيل إلى إثبات معجزةٍ في النظم إلا بما أصبحت أبديه ومراده إقامة الحجة على إعجاز القرآن للبشر وأن يأتوا بمثل من الكلام العربي الذي تتداول كلماته وتعابيره فيما بينهم، ثم تطور عمله ليكون حجر الأساس لقواعد علم المعاني أهم أفرع البلاغة العربية.
\nإن الجرجاني في كتابه (دلائل الإعجاز) يعد طليعة من دوّن في علم المعاني رابطاً بين ما يكمن في الصدور وما تنبس به الشفاه، مقيماً للوشيجة الرائعة بينهما، لافتاً النظر بدقة إلى حسن العلاقة بين رصف الكلام الخارج من فم الناطق، وبين علم النحو وصنعة الإعراب، موجّهاً الانتباه إلى ما يحسن في مقامه، ولايحسن في مقام آخر من القول. \n \nوكيف يكون استخدام الواحد من أساليب الكلم ناجحاً معبراً في موقفٍ، وفاشلاً عييّاً في موقف ثان، فكان عمل الشيخ مثالاً يحتذى، وأسوة تقتدى لكل من جاء بعده، وكل من تكلم من بعده في علم المعاني عالة عليه، وصناع بين يديه..Menu