إذا كان من الخطأ الشنيع تصوير السيرة النبوية وكأنها مصادفة تاريخية، فالأشد تورطاً في الشناعة تصويرها وكأنها مغازي فقط، لأن واقع السيرة فكر نبوي عميق، وخطط دبلوماسية عظيمة مرنة، وإرادة بصّرها الوحي فنفذت تخترق الإعجاز، وعناية ربانية لم تترك للأهواء صياغتها.
\nإن المنهج التاريخي هو أكثر المناهج هيمنة في السيرة وتأثيراً، لكن يؤخذ عليه أنه اختصر الفترة المكية في مشاهد محدودة، لقد قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم في مكة فترة زمنية وصلت نسبتها 57% في البعثة النبوية، وللأسف أن هذ الفترة لم تلق ما تستحقه من اهتمام جدير في كتب السيرة قديما وحديثاً، تختزل بنسبة ضئيلة بلغ متوسطها 26% لماذا هذا التهميش؟ فهذا الكتاب أعد لفتح منهجية جديدة، لتوضيح درر عظيمة همشها السرد التاريخي، ولا أزعم أن الدبلوماسية وحدها توضح أبعاد السيرة، فلا يزال المجال متسع لرؤى وتصورات لعشرات من المجلدات لأن السيرة عظيمة ولن تستنفذ أبداً..Menu