لقد توسَّع مركز الرسالة للدراسات وتحقيق التراث في «مؤسسة الرسالة» توسُّعاً ملحوظاً، ممَّا جعله مركزاً علميًّا يُعنى بالدراسات والأبحاث المتعلّقة بشؤون عالمنا العربي والإسلامي.
وزاده اهتماماً بالتأصيل والتوثيق والتحقيق لتراث أمَّتِنا العريق، ذلك الإرث الثمين الذي خلّفه علماؤنا الأفذاذ.
لقد انطلقت فكرة تأسيس مكتب لتحقيق التراث في عام 1979م عندما ارتأى القائمون على إدارة «مؤسسة الرسالة» أنّ الفكر والفقه الحركي لنهضة الأمّة الإسلامية والعربية يقف عند حاجز التأصيل، فكان العمل الدائب المستمر لوصل هذا الحراك مع جذوره في أمَّتنا؛ فالشجرة لا يتمّ نتاجها من ثمر وأغصان وورق مالم تتماسك جذورها مع عميق الأرض، وأصيلُ العلوم والنافع منها هو ذلك المتأصِّل، وهو الذي نرنوا إليه ونعمل على تحقيقه بعون الله تعالى.
حقًّا إن التحدّث عن رِجَالات المؤسسة هو نفسه التحدث عن الكتب التي ظهرت على أيديهم، وهذا حديث شيّق ماتع وذو فائدة للمتخصصين في هذا المجال، أُحيل القارئ إلى حقل التعريف برجالات المؤسسة في موقعنا على «الانترنت».
ولكن أول ما أبدأ به هو مَنْ شرَّف هذا المكتبَ بأن كان رأسه والعَلَم الأساس فيه: فضيلة العلَّامة الشيخ شعيب الأرنؤوط، والثاني هو فضيلة العلامة الشيخ عبد القادر الأرنؤوط رحمه الله تعالى.
وأذن الله سبحانه افتتاحيةً مباركة طيبة لمشاريع لا تزال هي الأولى، وكان لها الرّيادة وقصب السبق في الوصول إلى طريق النجاح، ومنها: «رياض الصالحين» للإمامأبي زكريا النووي، و«زاد المعاد في هَدي خير العباد» لأبي عبد الله ابن قيم الجوزية، و«سير أعلام النبلاء» لشمس الدين أبي عبد الله الذهبي، وأحبُّ أن أقف في الحديث عند كتاب الذهبي هذا، حيث كان بحقٍّ مغامرةً في حق من يقتحم لُجّةَ التحقيق فيه، بل بحقّ المكتب ذاتِه، فالسِّير كما هو معلوم يتكلم في أعْسَر فن من فنون التاريخ، فهو فن التراجم، وهو بحاجة إلى مجهود علميٍّ عظيم، وإلى بذل مالٍ واسع، وتسخير قدرات هائلة .. إنه حقّا مغامرة، كيف لا، وقد قيل وقتها: إنه أعجز (جامعة الدول العربية) التي أرادت نشر هذا الكتاب منذ ثلاثين عاماً، فلم تخرج منه غير نزر يسير شوهه التصحيفُ والتحريف، وكثر في هذا النزر السقطُ حتى انعدمت فائدته أو كادت.
وسِرْنا في هذه اللجّة راكبين الصعبَ والذلول، وإذا بالتوفيق حليفنا والنجاح ينتظرنا، والفضل كلّه لله سبحانه وتعالى، فله الحمد والمنّة أولاً وآخراً.
لقد انتهت المغامرة في تحقيق «السّير» إلى النجاح والحمد لله، وكما أنَّ الطاعة تتبعها طاعةٌ أخرى، فكذلك النجاح يتبعه نجاح آخر…
لقد كان «سير أعلام النبلاء» مدرسة رائدة في جمع ثلّة من المحققين البارعين كان لهم الدور الأساس في إظهار «السير» بهيئة علمية رائعة وصفة بارعة نافعة تسرّ كل محبّ للتراث حريص عليه …
وبوجود هذه المدرسة المباركة تأصَّل لدينا فكرة العمل الجماعي الموحّد في تحقيق التراث وكأنه عمل رجُلٍ واحد، وذلك ضمنَ أسس وقواعد تقعّدت لدى العمل في «السِّير»..
ـ ولاقت الكتب التي كانت باكورة إصداراتنا نجاحاً واسعاً في أوساط أهلِ العلم وعند العامة، وكان هذا النجاح يفوق توقعات «المؤسسة» في حينها ممّا دعاها لتوسيع العمل والانطلاق في مشاريع عملاقة من مثل «تهذيب الكمال» للحافظ أبي الحجاج جمال الدين المزي، و «شرح مشكل الآثار» لأبي جعفر الطحاوي، و «صحيح ابن حبان» وغيرها… .
ـ في عام تسعين وتسع مئة وألف 1990
لقد كانت العشر سنوات الأولى منذ تأسيس مكتب التحقيق مليئةً بالأعمال القيمة والمرجعية في ميدانها، ولكن كانت بِزَوْبَرِها تحومُ في فلَك لم يدرك بعدُ فسطاطه ومرادَه، إلى أن أذن الله فهدى الأبصار لتتطلع إلى القيام بمشروع الأمّة، مشروع كتاب (مسند الإمام أحمد ابن حنبل). ومنه نحو الموسوعة الحديثية بكامل كتبها المعتمدة الستة والتسعة.
كثيرة هي الجهود التي نأت عن مجرد التفكير في العمل في هذا السِّفر العظيم، وقلَّت تلك الهِمَمُ التي تصدَّت له وإذا بها أن تصطدم بواقعِ عظم المهمة واستحالة التحقيق.
نعم، كانت خطة العمل كبيرة جدًّا، ومعقدة، وطويلة، وفق الإمكانيات والتقنيات المتاحة في حينها، (وبكل صراحة: كان المشروع أكبر من إمكانياتنا، ممّا أخذ بالمؤسسة إلى الانهيار الإداري..)
إن استذكار هذه اللحظة يعيد إلى الأذهان الآن تلك الأيام التي كنّا نخطّط فيها لتحقيق كتاب «سير أعلام النبلاء»، من شحذ الهمم وتوزيع الطاقات وتمايزها..
ومع كل هذه الصعوبات تكوّن لـ«مشروع مسند الإمام أحمد» فريق عمل من ستين من المتميّزين من أهل العلم الأفاضل، وكانت الجهود الجبارة المتواصلة الدؤوب موزّعة على عشر سنوات ليكون حصيلتها في عام 2000م طبعة لمسند الإمام أحمد، لا أعلم أنه صدر للمسند طبعة أحاطت به من كل جوانبه وبشكل متكامل كما هذه الطبعة…
إن ما يميّز «مسند الإمام أحمد» أنّ إنجازه لم يكن كإنجاز أيِّ كتاب من الكتب الأخرى، إنما العمل فيه هو صنع لغة جديدة، وأبجدية معاصرة بكل ما فيها من حروف وتنقيط وقواعد وبلاغة..
وما يميّز «المسند» أيضاً أن تحقيقه خطوة مهمة على طريق عمل الموسوعة الحديثية الكبرى؛ لأنه ما من حديث ـ غالباً ـ إلا وله أصلٌ في هذا «المسند».
لقد توسَّع مركز الرسالة للدراسات وتحقيق التراث توسُّعاً ملحوظاً، ممَّا جعله مركزاً علميًّا يُعنى بالدراسات والأبحاث المتعلّقة بشؤون عالمنا العربي والإسلامي. وزاده اهتماماً بالتأصيل والتوثيق والتحقيق لتراث أمَّتِنا العريق، ذلك الإرث الثمين الذي خلّفه علماؤنا الأفذاذ..
ماذا عن بدايات تأسيس مكتب التحقيق في «المؤسسة»؟
لقد انطلقت فكرة تأسيس مكتب لتحقيق التراث في عام 1979م عندما ارتأى القائمون على إدارة «مؤسسة الرسالة» أنّ الفكر والفقه الحركي لنهضة الأمّة الإسلامية والعربية يقف عند حاجز التأصيل، فكان العمل الدائب المستمر لوصل هذا الحراك مع جذوره في أمَّتنا؛ فالشجرة لا يتمّ نتاجها من ثمر وأغصان وورق مالم تتماسك جذورها مع عميق الأرض، وأصيلُ العلوم والنافع منها هو ذلك المتأصِّل، وهو الذي نرنوا إليه ونعمل على تحقيقه بعون الله تعالى.
ماذا عن رجال مكتب التحقيق الأوائل، وما هي الكتب التي كانت في البداية؟
حقًّا إن التحدّث عن رِجَالات المؤسسة هو نفسه التحدث عن الكتب التي ظهرت على أيديهم، وهذا حديث شيّق ماتع وذو فائدة للمتخصصين في هذا المجال، أُحيل القارئ إلى حقل التعريف برجالات المؤسسة في موقعنا على «الانترنت».
ولكن أول ما أبدأ به هو مَنْ شرَّف هذا المكتبَ بأن كان رأسه والعَلَم الأساس فيه: فضيلة العلَّامة الشيخ شعيب الأرنؤوط ، والثاني هو فضيلة العلامة الشيخ عبد القادر الأرنؤوط رحمه الله تعالى.
وأذن الله سبحانه افتتاحيةً مباركة طيبة لمشاريع لا تزال هي الأولى، وكان لها الرّيادة وقصب السبق في الوصول إلى طريق النجاح، ومنها: «رياض الصالحين» للإمام أبي زكريا النووي، و«زاد المعاد في هَدي خير العباد» لأبي عبد الله ابن قيم الجوزية، و«سير أعلام النبلاء» لشمس الدين أبي عبد الله الذهبي، وأحبُّ أن أقف في الحديث عند كتاب الذهبي هذا، حيث كان بحقٍّ مغامرةً في حق من يقتحم لُجّةَ التحقيق فيه، بل بحقّ المكتب ذاتِه، فالسِّير كما هو معلوم يتكلم في أعْسَر فن من فنون التاريخ، فهو فن التراجم، وهو بحاجة إلى مجهود علميٍّ عظيم، وإلى بذل مالٍ واسع، وتسخير قدرات هائلة .. إنه حقّا مغامرة، كيف لا، وقد قيل وقتها: إنه أعجز (جامعة الدول العربية) التي أرادت نشر هذا الكتاب منذ ثلاثين عاماً، فلم تخرج منه غير نزر يسير شوهه التصحيفُ والتحريف، وكثر في هذا النزر السقطُ حتى انعدمت فائدته أو كادت.
وسِرْنا في هذه اللجّة راكبين الصعبَ والذلول، وإذا بالتوفيق حليفنا والنجاح ينتظرنا، والفضل كلّه لله سبحانه وتعالى، فله الحمد والمنّة أولاً وآخراً.
لقد انتهت المغامرة في تحقيق «السّير» إلى النجاح والحمد لله، وكما أنَّ الطاعة تتبعها طاعةٌ أخرى، فكذلك النجاح يتبعه نجاح آخر…
لقد كان «سير أعلام النبلاء» مدرسة رائدة في جمع ثلّة من المحققين البارعين كان لهم الدور الأساس في إظهار «السير» بهيئة علمية رائعة وصفة بارعة نافعة تسرّ كل محبّ للتراث حريص عليه …
وبوجود هذه المدرسة المباركة تأصَّل لدينا فكرة العمل الجماعي الموحّد في تحقيق التراث وكأنه عمل رجُلٍ واحد، وذلك ضمنَ أسس وقواعد تقعّدت لدى العمل في «السِّير»..
ولاقت الكتب التي كانت باكورة إصداراتنا نجاحاً واسعاً في أوساط أهلِ العلم وعند العامة، وكان هذا النجاح يفوق توقعات «المؤسسة» في حينها ممّا دعاها لتوسيع العمل والانطلاق في مشاريع عملاقة من مثل «تهذيب الكمال» للحافظ أبي الحجاج جمال الدين المزي، و«شرح مشكل الآثار» لأبي جعفر الطحاوي، و«صحيح ابن حبان» وغيرها… .
في عام تسعين وتسع مئة وألف 1990
لقد كانت العشر سنوات الأولى منذ تأسيس مكتب التحقيق مليئةً بالأعمال القيمة والمرجعية في ميدانها، ولكن كانت بِزَوْبَرِها تحومُ في فلَك لم يدرك بعدُ فسطاطه ومرادَه، إلى أن أذن الله فهدى الأبصار لتتطلع إلى القيام بمشروع الأمّة، مشروع كتاب (مسند الإمام أحمد ابن حنبل). ومنه نحو الموسوعة الحديثية بكامل كتبها المعتمدة الستة والتسعة.
كثيرة هي الجهود التي نأت عن مجرد التفكير في العمل في هذا السِّفر العظيم، وقلَّت تلك الهِمَمُ التي تصدَّت له وإذا بها أن تصطدم بواقعِ عظم المهمة واستحالة التحقيق.
نعم، كانت خطة العمل كبيرة جدًّا، ومعقدة، وطويلة، وفق الإمكانيات والتقنيات المتاحة في حينها، (وبكل صراحة: كان المشروع أكبر من إمكانياتنا، ممّا أخذ بالمؤسسة إلى الانهيار الإداري..)
إن استذكار هذه اللحظة يعيد إلى الأذهان الآن تلك الأيام التي كنّا نخطّط فيها لتحقيق كتاب «سير أعلام النبلاء»، من شحذ الهمم وتوزيع الطاقات وتمايزها..
ومع كل هذه الصعوبات تكوّن لـ«مشروع مسند الإمام أحمد» فريق عمل من ستين من المتميّزين من أهل العلم الأفاضل، وكانت الجهود الجبارة المتواصلة الدؤوب موزّعة على عشر سنوات ليكون حصيلتها في عام 2000م طبعة لمسند الإمام أحمد، لا أعلم أنه صدر للمسند طبعة أحاطت به من كل جوانبه وبشكل متكامل كما هذه الطبعة…
إن ما يميّز «مسند الإمام أحمد» أنّ إنجازه لم يكن كإنجاز أيِّ كتاب من الكتب الأخرى، إنما العمل فيه هو صنع لغة جديدة، وأبجدية معاصرة بكل ما فيها من حروف وتنقيط وقواعد وبلاغة..
وما يميّز «المسند» أيضاً أن تحقيقه خطوة مهمة على طريق عمل الموسوعة الحديثية الكبرى؛ لأنه ما من حديث ـ غالباً ـ إلا وله أصلٌ في هذا «المسند».
ماذا عن مكتب التحقيق في مؤسسة الرسالة؟
إن مكتب التحقيق في مؤسسة الرسالة، بعد أن توافرت لديه خبرات العمل الجماعي ضمن فريق واحد في (سير أعلام النبلاء) وما تلاه من أعمال أخرى، وبعد أن توافرت لديه هذه الأبجدية الجديدة في (مسند الإمام أحمد) والتي أعطته خبرات هائلة، وأرشيف معلومات كبيراً، وتطويراً في أدوات العمل: قد ارتقى ليتحول من مجرد مكتب تحقيق إلى (مركز الرسالة للدراسات وتحقيق التراث).
ولقد وضع هذا المركز نصب عينيه أن يكون على مستوى المسؤولية:
يحقق التراث تحقيقياً علمياً.
يواكب الواقع عبر عصرنة التراث بدراسات جادة بما يفيد بارتقاء البشرية والمجتمعات الإنسانية..
إن مركز الرسالة يعمل جاهداً على رفع الظلامة القائلة: (إن التراث قيْدٌ يشدّ الحاضرَ نحو الماضي)، ويعمل بكل ما أوتي من قوة وإمكانيات ليكون التراث أداة الحاضر نحو المستقبل، ونحو بناء حضاري شاهق متماسك بجذوره الأصيلة في أعماق التاريخ، فهو حضاري ممزوج بعبَقِ ورُوحِ الماضي.
وهذا هو المستقبل باب مفتوح على مِصرَاعيه لكلّ من أراد وُلوجه ليكون صانعاً له أو عابراً يمرّ من خلاله إلى النسيان..
فإن قال قائل: إن التاريخ قد مضى وليس فيه بعد ما يُذكر، نجيبه قائلين: إن المستقبل هو هذا التاريخ المتجدِّد، بل إن صنع المستقبل هو في صنع التاريخ، والخير قادم بإذن الله تعالى.
للموضوع بقية شيّقة، تتابع في تاريخه المثبت مع إجابات لكل أسئلتكم المطروحة وللأخذ بيد من يريد سلوك عالم الكتاب.